تخيل أن تدخل بلداً يسبقك فيه الوقت بسبع سنوات وثمانية أشهر، ويحتفل فيه العام الجديد في سبتمبر، وعيد الميلاد في يناير!
هذا ليس خيالاً، بل هو الواقع في إثيوبيا، الدولة الأفريقية العريقة التي تتبع تقويمها الخاص، مما يضعها في بُعد زمني مختلف عن غالبية دول العالم.
لغز الـ13 شهراً: سر التقويم الإثيوبي الفريد
السر وراء هذا الاختلاف يكمن في التقويم الإثيوبي، المعروف أيضاً بالتقويم الجعزي أو القبطي الإثيوبي.
بينما يعتمد التقويم الغريغوري (المعمول به عالمياً) حسابات معينة لميلاد المسيح، فإن التقويم الإثيوبي يستند إلى حسابات أقدم ترجع إلى عام 5500 قبل الميلاد، ويفترض أن المسيح وُلد في عام 7 قبل الميلاد.
هذا الفارق في نقطة البداية التاريخية هو ما يضع إثيوبيا متأخرة زمنياً عن بقية العالم بحوالي سبع سنوات وثمانية أشهر.
لكن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد! فالتقويم الإثيوبي يتميز بتركيبته الفريدة التي تتكون من 13 شهراً. نعم، ثلاثة عشر شهراً!
اثنا عشر شهراً يبلغ طول كل منها 30 يوماً بالضبط، بالإضافة إلى شهر ثالث عشر يُعرف باسم “باغومي” (Pagumē)، ويحتوي على 5 أيام أو 6 أيام في السنوات الكبيسة.
هذه الأيام الإضافية هي التي تُشكل الفارق بين السنة الإثيوبية والسنة الشمسية.
الاحتفالات بزمن مختلف: العام الجديد وعيد الميلاد
نتيجة لهذا التقويم، فإن احتفالات إثيوبيا بالأعياد والمناسبات تختلف عن مثيلاتها في الغرب:
- رأس السنة الإثيوبية “إنكوتاتاش” (Enkutatash): يُحتفل به في 11 سبتمبر من كل عام وفقاً للتقويم الغريغوري، أو في 12 سبتمبر في السنوات الكبيسة.
- إنه يوم البدايات الجديدة، حيث تتفتح الزهور الصفراء في كل مكان، وترمز إلى الأمل والتجدد بعد موسم الأمطار.
- عيد الميلاد المجيد “غنّا” (Ganna): بينما يحتفل معظم العالم بعيد الميلاد في 25 ديسمبر، تحتفل إثيوبيا به في 7 يناير من كل عام، متّبعةً في ذلك التقليد المسيحي الشرقي القديم.
جذور تاريخية ودينية عميقة
إن الحفاظ على هذا التقويم ليس مجرد عادة، بل هو جزء لا يتجزأ من الهوية الثقافية والتاريخية لإثيوبيا.
تعود جذور هذا التقويم إلى الكنيسة الأرثوذكسية التوحيدية الإثيوبية، التي حافظت على استقلالها لقرون طويلة، وظلت وفية لتقاليدها وحساباتها الزمنية الخاصة، بعيداً عن التأثيرات التي أدت إلى تغيير التقويم في أجزاء أخرى من العالم.
هذا التقويم الفريد يُلزم الزوار والأعمال الدولية بالانتباه للفوارق الزمنية عند التخطيط للزيارات أو المعاملات، لكنه أيضاً يضيف طبقة غنية من السحر والعمق لتجربة زيارة هذه البلاد العريقة، حيث لا يزال الزمن يُحسب بطريقة خاصة، ويمنح إثيوبيا طابعاً مميزاً يحمل عبق التاريخ والروحانية.