مصر تحقق فوزًا تاريخيًا بجائزة الأغا خان بعد غياب 20 عامًا بمشروع إسنا

مصر تحقق فوزًا تاريخيًا بجائزة الأغا خان بعد غياب 20 عامًا بمشروع إسنا

فوز مشروع إعادة إحياء مدينة إسنا بجائزة الآغا خان للعمارة 2025

أعلنت لجنة التحكيم العليا لجائزة الآغا خان للعمارة حصول مشروع “إعادة إحياء مدينة إسنا التاريخية” على هذه الجائزة المرموقة لعام 2025، وهي واحدة من أكثر الجوائز تقديرًا في مجال العمارة. يمثل هذا الفوز عودة مصر إلى الساحة العالمية للعمارة بعد غياب استمر لمدة تزيد عن عشرين عامًا، منذ فوز مكتبة الإسكندرية بالجائزة في عام 2004. يأتي هذا الإنجاز تتويجًا لجهود التعاون المتواصل بين مؤسسة تكوين لتنمية المجتمعات المتكاملة ووزارة السياحة والآثار ومحافظة الأقصر، بدعم من الحكومة الأمريكية ومملكة هولندا والوكالة الإسبانية للتعاون الدولي في مجال التنمية، مما يبرز نموذجًا ملهمًا للتنمية المستدامة المستندة إلى الحفاظ على التراث الثقافي ومشاركة المجتمع المحلي.

أهمية المشروع ورؤية التحكيم

ووصفت لجنة التحكيم العليا المشروع بأنه يتجاوز المعايير التقليدية لمشروعات الحفاظ العمراني، حيث يقدم رؤية شاملة تهتم بالجوانب الاقتصادية والثقافية من خلال برنامج اجتماعي متكامل يهدف إلى تحسين البيئة التراثية بشكل تدريجي. وأكدت اللجنة على دور المجتمع المحلي كمساهم رئيسي في إنجاز هذا المشروع، مشيرة إلى أن السكان يلعبون دورًا محوريًا في حفظ التوازن العمراني من خلال تفاعلهم مع تراثهم الحي، مما يعزز من تجديد الحوافز المستدامة في النسيج العمراني المتداعي.

تحليل القيمة الثقافية والاجتماعية

وأشادت لجنة التحكيم بكون قيمة المشروع لا تقتصر على المعالم الأثرية البارزة، بل تمتد لتشمل النسيج العمراني مع الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية، حيث أكد البيان أن “المشروع يسهم في إعادة تنشيط المنظومة العمرانية التاريخية من خلال ترميم أو إعادة استخدام المباني التجارية والسكنية والروحانية لمواجهة التحديات المعاصرة المتمثلة في تحسين الظروف الإنسانية وتطوير مهارات الحرفيين.”

وأضافت اللجنة أن التجارب التي تحققت في إسنا تعكس تجديد استخدام المعرفة والتقنيات المحلية من خلال نتائج ابتكارية صغيرة ولكن تراكمية، مما يسهل الحفاظ على الهوية الثقافية للمدينة ويعزز حيويتها الاقتصادية.

التعاون كأداة لتحقيق التنمية المستدامة

أشارت اللجنة إلى أن الالتزام الظاهر من الحكومة المصرية، ممثلة في وزارة السياحة والآثار ومحافظة الأقصر، والدعم الفعال من الشركاء الدوليين قد أوجد بيئة مثالية لضمان استدامة الإنجازات. حيث تمثل هذه الشراكة بين الحكومة والمجتمع المدني والجهات المانحة نموذجًا يمكن الاقتداء به في تعزيز التنمية المستدامة من خلال حفظ التراث. واختتمت اللجنة ببيان أن المشروع يمثّل سابقة في السياق المصري كأول “خطة حفاظ” لمناطق حضارية غير أثرية تُعتمد من قِبل الحكومة المصرية، مما يجعله مثالًا على دمج إعادة الاستخدام مع تمكين المجتمع وتحفيز الاقتصاد المحلي.

وجهة جديدة في السياحة والتراث

يمثل هذا الإنجاز تحولًا ملحوظًا لمدينة إسنا، التي ظلت لفترة طويلة بعيدة عن الخريطة السياحية، حيث اقتصر الاهتمام سابقًا على معبد خنوم الشهير فقط، وقد عانت شوارعها وأسواقها التراثية ومبانيها من تهالك كبير. ولكن بفضل هذا المشروع، ازدادت أعداد الزوار لأكثر من ثلاثة أضعاف، وتمت إعادة إدراج إسنا كوجهة ثقافية وسياحية غنية بتنوع طبقاتها التاريخية، بدءًا من العصور اليونانية-الرومانية وصولًا إلى العصر الحديث.

وعبر المهندس كريم إبراهيم، مدير المشروع، عن فخره بهذا التكريم الدولي، مشيرًا إلى أن الجائزة لا تكرم تصميمات معمارية فقط، بل تبرز أيضًا دور العمارة كوسيلة لتحقيق التنمية المستدامة وتعزيز الروح المجتمعية.

تحفيز الاقتصاد المحلي

كان الهدف من المشروع هو إعادة تقديم إسنا كنقطة جذب ثقافية وسياحية متكاملة وتعزيز الاقتصاد المحلي عبر خلق وظائف جديدة تضمن استفادة المجتمع من عوائد السياحة.

شمل المشروع مجموعة واسعة من التدخلات المادية التي غيرت من وجه المدينة، مثل تجديد وكالة الجداوي الأثرية وإعادة فتحها للجمهور لأول مرة في أكثر من سبعين عاماً، وتحديث سوق القيسارية التقليدي بالتعاون مع أصحاب المتاجر ودعم محافظة الأقصر، إضافة إلى تحسين معبد خنوم من حيث خدمات الزوار بالتوازي مع جهود ترميم المعبد من قِبل وزارة السياحة والآثار، إلى جانب تجديد استراحة الملك فاروق بموقع المطاعنة.

بناء القدرات والمشاركة المجتمعية

ما يميز المشروع حقًا هو تأثيره الإيجابي على بناء القدرات وتعزيز المشاركة المجتمعية، إذ وفر المئات من فرص العمل ودرب أكثر من 400 شخص من أبناء إسنا على الحرف التقليدية وأنشطة الترميم وإدارة مواقع التراث الثقافي، بالإضافة إلى توثيق التراث المادي وغير المادي للمدينة عبر عشرين مبنى تراثي و25 وصفة للطهي التقليدي. كما تم إطلاق مشاريع صغيرة بقيادة النساء مثل “مطبخ أوكرا لسيدات إسنا” و”ورشة الأعمال الخشبية”، وأسهم المشروع كذلك في تطوير أكثر من 15 منشأة صغيرة لتقديم خدمات سياحية متميزة.

كل هذه المبادرات ساهمت في فتح آفاق جديدة للنساء والشباب، وأظهرت أن التراث يمكن أن يكون محركًا للشمول الاجتماعي والنمو الاقتصادي المستدام.

التطوير المستقبلي في إسنا

وصرح محافظ الأقصر المهندس عبد المطلب ممدوح عمارة بأن فوز إسنا بالجائزة يعكس جهود الدولة المصرية في تعزيز السياحة والتنمية المستدامة في الأقصر وصعيد مصر. حيث يشهد المكان حاليًا إطلاق مشروع رائد لتطوير كورنيش المدينة بطول 1,260 مترًا بهدف تحويله إلى واجهة حضارية عصرية تشمل ممشى نهري وحدائق ومسرح مفتوح، مما يعزز البنية التحتية ويجذب السياحة.

كما تعمل الدولة على تحسين الفراغات العامة وترميم واجهات المباني التراثية المحيطة بمعبد خنوم، بالإضافة إلى تحسين المسار المؤدي إلى المعبد عبر البازارات السياحية.

عودة مصر إلى جائزة الآغا خان للعمارة

فوز مشروع إعادة إحياء إسنا بجائزة الآغا خان للعمارة يذكرنا بمسيرة مصر الطويلة مع هذه الجائزة العريقة التي أُسست عام 1977 بمبادرة من سمو الأمير كريم آغا خان. وتتمثل أهدافها في تكريم المشاريع التي توازن بين التميز المعماري واحتياجات المجتمعات المحلية الاجتماعية والثقافية والبيئية. حصلت مصر على الجائزة في سبع مناسبات سابقة، وتعتبر هذه المرة عودة قوية للعمارة المصرية إلى الساحة العالمية، مقدمة نموذجًا يُمكن تكراره في مدن مصرية أخرى تسعى لتطوير التنمية مع الحفاظ على الهوية المحلية.