
تعجّ الساحة السورية حاليًا بكثرة اللاعبين الذين يريدون تثبيت معادلاتهم؛ كنتيجة مباشرة لتداعيات صراع طال دولًا وأنهى أنظمة وأضعف محاور وميليشيات، فباتت سوريا مرآته بين نفوذ إقليمي انتهى.. ونفوذ إقليمي جديد يجتهد لكسر بعض قواعد اللعبة ليتمدد بداخلها ويستقر.
إيران تمتلك بعض الذيول، ورواسب نظام بعث الأسد ما زالت في بعض مفاصل الدولة المتهالكة، وبين هذا وذاك تسعى تركيا لتأمين مستقبل نظام أحمد الشرع وفصائله التي لم تخرج بعد من تصرفات وهمجية الميليشياوية، مما حدا بالرئيس أحمد الشرع التملص من هذه التصرفات والوعد بمحاسبة المسؤولين عنها أمام مجتمع دولي؛ بدأ يقتنع بأن الشرع يتطلع لقيادة سوريا كرجل دولة وليس زعيم ميليشيا.
إسرائيل ترى الفوضى في سوريا، وضعف النظام الحاكم واستناده على جدار الدعم التركي الساعي لعدم الاصطدام مع إدارة الرئيس دونالد ترامب، فرصة حقيقية لفرض أمر واقع عبر منطقة منزوعة السلاح في الجنوب السوري قبل الوصول إلى اتفاقية سلام باتت حتمية في ظل إدراك جميع الأطراف بأنها محطة الصراع الأخيرة.
بالمحصلة، إدارة الرئيس ترامب تتفهم حاجة إسرائيل لفرض منطقة منزوعة السلاح، أما الأتراك ونظام الشرع فيريدانها كنتيجة تفاوضية ضمن عملية سلام تشمل معالجة كافة الملفات، دون إعطاء طرف بالنسبة إلى الداخل السوري فرصة لتحدي أو الاستقواء على هيبة الدولة التي يُسعى لتثبيت أركانها وإعادة التوازن لها.
تصريح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، باستخدام إسرائيل الدروز كذريعة لتوسيع نطاق نفوذها ليصل إلى سوريا، يؤكد أن سياق دخول قوات العشائر السورية بأكثر من 50 ألفًا على خط الأحداث في منطقة السويداء، رهان من قبل أنقرة ونظام الشرع كخيار مثالي ومتاح في الوقت الراهن، لمصارعة الديك الدرزي المدعوم من تل أبيب، وهروبًا من مواجهة عسكرية مفتوحة ومباشرة مع حكومة بنيامين نتنياهو، فالتوصيف السياسي الدقيق لما يجري في سوريا اليوم أشبه بحلبة صراع الديوك، بعلم راعي الحلبة “الأميركي” المنتظر فائزًا للتعامل معه ضمن جملة مصالحه التي تحقق تطلعاته المستقبلية بحماية سطوته وتفوقه الدوليين.
لا يمكن إغفال حقيقة أنَّ تركيا حليفة الولايات المتحدة الأميركية في الناتو، وإسرائيل بمثابة قاعدتها المتقدمة في الشرق الأوسط، فلا صدام بينهما مباشرة إلا عبر أدواتهما على الأرض السورية، صدام تراه إيران فرصة يمكن استغلالها والبناء عليها بطريق عودة دمشق لحضن محورها المتهاوي، في المقابل تقف دول عربية بموقف موحد ومتماسك ضمن مساعي وساطات إقليمية ودولية عبر أدوات دبلوماسية مرنة، تراعي حساسية الوضع الإقليمي والدولي لتحقيق سلام بين سوريا وإسرائيل؛ كرؤية عقلانية متكاملة تحتاجها المنطقة.