الأندية الجماهيرية في مصر تكافح ضد شبح الهبوط والديون

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!


اعتاد شريف مصطفى الزحف خلف دراويش الكرة المصرية، الإسماعيلي، من مدينة إلى أخرى، ومن بطولة إلى أخرى، سنوات عديدة قضاها “مصطفى” في تشجيع ناديه، ويحكي للشرق قائلا:” منذ التسعينات وأنا أشجع الدراويش، ناديي المفضل، وفي نفس الوقت نادي المحافظة التي أقطنها، ذهبت خلفه إلى العاصمة القاهرة، والأقاليم”.

يتذكر مصطفى موسم 2001، عندما حقق الإسماعيلي لقب الدوري متفوقاً على الأهلي والزمالك وغيرهم من فرق الدوري، عندما امتلك الدوري فريقاً ذهبياً، أصبح لاعبوه مطمعاً لقطبي الكرة المصرية.

الآن لم يعد الحماس يدب في قلب مصطفى،، فقد الرغبة في حضور المباريات والتشجيع، حاله كحال العديد من مشجعي برازيل الكرة المصرية؛ بعد أكثر من 3 عقود على تشجعيه الدراويش، تعرض فيها النادي الشعبي الأكبر في منطقة القناة إلى عثرات عديدة، تحوَّل خلالها من بطل الدوري إلى الفريق المهدد دائما بالهبوط إلي الدرجة الأدنى في البطولة. 

يرى مصطفى أن الجيل الجديد من المشجعين تغيرت طبيعة انتمائه بسبب غيابه عن الملاعب فترة طويلة بعد أحداث مباراة الأهلي والمصري الشهيرة التي تسبب في منع الحضور الجماهيري للمباريات لفترة طويلة، إضافة لمتابعته لفريقه الذي يمثل محافظته متراجعاً في المستوى والأداء.

ويضيف شريف أن أزمات النادي الذي ينتمي إليه أخذت في الاتساع دون حل ينتشلها ويعيدها من جديد لصدارة المشهد، ويرى أن استمرارية النادي الإسماعيلي أو غيره من الأندية الجماهيرية في أزماتها دون دعم سيؤثر على شكل المنتخب المصري الذي بات يعتمد بشكل أساسي على الأهلي والزمالك بعد أن كان لديه اختيارات عدة بالأندية الجماهيرية 

لم تعد الكرة كما عرفها مصطفى، سيطرت المادة على حساب الانتماء، ووفرت أندية الشركات ذات الموارد المادية العالية إغراءات عديدة لم تستطيع الأندية الجماهيرية توفيرها فخسرت نجومها ومعها جزء كبير من المشجعين.

ملعب النادي الإسماعيلي المصري
ملعب النادي الإسماعيلي المصري – الشرق


الأندية الجماهيرية

لطالما عُرفت بعض الأندية في مصر باسم “الأندية الجماهيرية”، وهي الأندية صاحب الرصيد الشعبي والتاريخ، وفي بعض الأحيان رمزية إقليمية لمحافظة او إقليم جغرافي بعينه، مثلما الحال مع الإسماعيلي عن المحافظة بذات الاسم، أو المحلة بقطبيها، البلدية والغزل، لمدينة المحلة التابعة لمحافظة الغربية (غرب دلتا النيل)، وبالطبع نادي المنصورة، عن مدينة المنصورة بمحافظة الدقهلية (شرق دلتا النيل).

الآن يضم جدول الدوري المصري أربعة فقط من الأندية الجماهيرية، وتحتل الفرق الأربعة مؤخرة ترتيب الدوري ومهددة بالهبوط، ولولا إلغاء الهبوط لهبط الإسماعيلي وغزل المحلة وأحد ممثلي الإسكندرية سموحة والاتحاد، الدوري الممتاز هبوطاً إلى الدرجة الأدنى.

وشهد الدوري المصري في موسمه الأخير ظهور أندية شركات جديدة مثل “البنك الأهلي” و”سيراميكا كليوباترا” التي فتحت خزائنها لتدعيم فرقها حيث تعاقدوا مع عشرات اللاعبين المحليين والأجانب بمئات الملايين، وهو ما تستطيع فرق أخرى منافستها فيه.

فمن أصل 18 فريقا في الدوري هذا العام، أربعة فقط أندية جماهيرية، والباقي أندية شركات، والمنافس الأبرز على لقب الدوري هذا العام هو نادي بيراميذر الذي تأسس حديثا برئاسة الإماراتي سالم الشامسي.

وباتت أندية الشركات والهيئات المختلفة أحد ركائز الدوري المصري خلال السنوات الأخيرة، سواء على المستوى الفني الذي يقدم داخل أرض الملعب، في منافسة الأندية الجماهيرية وفى مقدمتها الأهلي والزمالك، أو على مستوى قطاعات الناشئين وإنتاج العديد من المواهب الكروية داخل الأندية.

وتمثل أندية الشركات والهيئات نسبة كبيرة للغاية في الدوري الممتاز، حيث وصل عددها إلى 13 ناديا، مقابل 5 أندية جماهيرية فقط هي الأهلي والزمالك والمصري والإسماعيلي والاتحاد السكندري.

برازيل الكرة المصرية مهدد بالهبوط

مثَّل الإسماعيلي فاكهة الكرة المصرية، شبهه الجماهير بالبرازيل، حيث اللعب الاستعراضي والمهارات الفردية، تأسس قبل قرن من الزمان بمحافظة الإسماعيلية، وحصد 7 ألقاب خلال تاريخه، الآن يصارع برازيل مصر على الهبوط.

يرجع رئيس نادي الإسماعيلي، نصر أبو الحسن، أسباب هبوط مستوي النادي والأندية الجماهيرية عموما إلى عدة عوامل، أبرزها غياب التمويل والدعم مقارنة بأندية الشركات صاحبة الميزانيات الأعلى، بالإضافة إلى عدم اكتمال لوائح منظومة الإحتراف في مصر.

ويشرح “أبو الحسن” خلال حديثه لـ”الشرق”: “مع بداية تطبيق منظومة الاحتراف في مصر حتى اللحظة لم تكتمل اللوائح المنظمة للاحتراف في مصر، ولو طبقت اللوائح المنظمة سيتحقق نوع من أنواع تكافؤ الفرص في المنافسة وسيكون هناك “Fair play” داخل الملعب وخارج الملعب وحتى الآن لا يوجد لعب نظيف خارج الملعب”.

ويستكمل “أبو الحسن”: في مصر هناك أندية إيراداتها من البث والإعلانات نحو 100 مليون جنية بينما مصروفاته 700 مليون جنية هذا ما أحدث الخلل في المنظومة لأن الأندية الجماهيرية تعتمد على إيرادها من النشاط أما الأندية الاستثمارية تعتمد على إيراداتها إضافة إلى دعم من أصحاب تلك الأندية ولو تم تطبيق هذا البند لن توجد أمام الأندية الجماهيرية مشكلة وحتى الآن هذا البند غائب عن تفكير المسؤولين في مصر لكرة القدم وهي لائحة اللعب المالي النظيف وهي ما ستحدث توازن في العلاقة بين الأندية واللاعبين والأندية وبعضها البعض”.

ويتفق معه في هذه النقطة محمد بسيوني، رئيس نادي المنصورة، الذي يرى أن الفترة الأخيرة تغيرت منظومة كرة القدم في مصر ومن خلال هذا التغيير هزت الأندية الشعبية وخاصة نادي المنصورة بدخول الأندية الاستثمارية كل عام بأعداد كبيرة وهو ما ساهم بتغير شكل الخريطة الرياضية في مصر ورأس مالها، وثمن اللاعبين، والإعاشة والإقامة.

ويستكمل بسيوني قائلا:” تبدَّلت الأرقام من 4 ملايين جنية اليوم وصلت المصروفات إلى 40 مليون جنية ولا نستطيع مواكبة الأندية الاستثمارية لكن ستظل الأندية الشعبية ذات طابع جماهيري مميز بالشكل الذي يشرف الكرة المصرية”.

ويضيف أن دخل نادي المنصورة لم يزيد عن 110 ألف جنية في عام 2021 واليوم دخل النادي وصل إلى 600 ألف جنية ولا يكفي، ويري “بسيوني” أن باب الاستثمار مفتوح للأندية الشعبية بقواعد دون تغيير هويتها وباب الاستثمار مفتوح لأي مستثمر في نادي المنصورة وهو ما يحل كافة الأزمات للنادي.

غاب نادي المنصورة عن دوري الأضواء منذ العام 2010، بعدما قدم أبرز أجيال كرة القدم في مصر عام 1996، حيث هزم قطبي الكرة، وقدم موسمين يتذكرهما محبو كرة القدم في مصر.

“الهبوط والديون”

بخلاف الدعم المالي المحدود، يعاني الإسماعيلي أيضا من أزمة ديون مالية متراكمة، ويقول “أبو الحسن”: حينما استلمنا النادي كان أمامنا عقبتين: الأولى فنية وهي الفريق تواجد خلال خمس سنوات ماضية في مؤخرة الدوري وابتعد كثيرا عن المكان الذي كان من المفترض ان يكون فيه”.

وتابع: “والثانية هي قضايا دولية على النادي الإسماعيلي تواجدت نتيجة عقود تمت بشكل لم يأخذ في الاعتبار موارد النادي وهذا الأمر دفع مجموعة من اللاعبين تترك النادي وتأجج بشكوى للفيفا والمحكمة الرياضية”.

وأضاف: “نتج عن هذا مجموعة من الأحكام ضد النادي الإسماعيلي وهي أحكام نهائية وكان مجمل القضايا يصل إلى 15 قضية بإجمالي مستحقات مطلوبة 9 ملايين دولار وهو مبلغ ضخم بالنسبة للإسماعيلي، لكن خطورة تلك القضايا كانت أكثر خطراً من نتائج المباريات داخل الملعب لان عدم الالتزام بسداد تلك الديون هناك عقوبات تتلو عملية ايقاف القيد الذي نعاني منها منذ 3 مواسم داخل النادي ولا نستطيع التعاقد مع لاعبين بسبب هذا الوقف، بحسب أبو الحسن.

قررت رابطة الأندية إلغاء الهبوط هذا الموسم، في قرار اعتبره البعض دعما للأندية الجماهيرية، ويري أبو الحسن أن القرار لم يكن مقصوداً به الإسماعيلي فقط، وإنما عدة أندية جماهيرية، معتبرا إياه بمثابة طوق نجاة للأندية.

ولتكتمل الصورة، يقول محمد بسيوني، رئيس نادي المنصورة: بجانب غياب الدعم المالي، فأيضا أندية الشركات أصبحت تمتلك أكاديميات رياضية خاصة به، يتخرج منها أجيال من اللاعبين الصغار، وهو ما أفقد الأندية الجماهيرية جزءاً من مواردها.

أندية جماهيرية وشركات

لطالما تواجدت أندية الشركات في الدوري المصري، فنادي الترسانة – الملقب بالشواكيش – التابع بالأساس للشركة المصرية العامة لورش الري حصد كأس مصر عام 1923، وكان ثاني ناد مصري يفوز بتلك الكأس بعد الزمالك وقبل النادي الأهلي، وكذلك “غزل المحلة” التابع لشركة غزل المحلة، إلا أن الترسانة وغزل المحلة تحولوا فيما بعد إلى اندية جماهيرية بفضل أداء كروي مميز، ثم هبطوا إلى الدرجات الأدنى.

ويعرف فريق غزل المحلة باسم “زعيم الفلاحيين” كناية عن وجوده بقلب دلتا النيل وحاز شعبية كبيرة لدى أهالي مدينة المحلة بمحافظة الغربية حتي لقب بـ “زعيم الفلاحين” ويعتبره البعض النادي الأكثر شعبية في منطقة الدلتا المصرية خاصة بعد فوزه بالدوري المصري عام 1973، ووصوله إلى نهائي بطولة أفريقيا للأندية أبطال الدوري عام 1974، الآن يحتل الغزل المركز الأخير في الدوري المصري الممتاز.

يري محمد نصر، المحلل الرياضي، أن الأندية الجماهيرية تعاني من أزمات منذ سنوات عديدة كل عام يهبط نادٍ جماهيري لدوري الدرجة الثانية، ويصعد نادي شركات ولذلك بدأت القوة الشرائية لأندية الشركات في شراء اللاعبين. 

ويستكمل نصر خلال حديثه لـ”الشرق”: “الأندية الجماهيرية هي عصب الدوري المصري لكن ليس لديها موارد مالية وحجم الإيرادات أقل بكثير من حجم الإنفاق وهذا ما يدفع الادارة بعدم الالتزام مع اللاعبين في عقودها والمستحقات وهو ما يسبب مشكلة مع المحترفين وشكاوى دولية تصل نتيجتها إلى وقف القيد”.

مدخل نادي المنصورة الرياضي
مدخل نادي المنصورة الرياضي – الشرق


ويضيف “نصر” أن أندية الشركات لا تملك الدوافع ولا الجماهير، ولكن يمكنها دفع أضعاف ما تدفعه الأندية الجماهيرية، وهو ما يضعف الأخير بشكل مباشر.

ويرى نصر أنه لو عدنا عشر سنوات إلى الوراء سنرى أن الدوري المصري خسر كثيراً بهبوط أندية جماهيرية مثل الترسانة والمنصورة وغيرهم لكن أندية الشركات التي صعدت محل تلك الأندية لم تقدم اضافة قوية وإنما تمركزت في وسط ترتيب الجدول بالدوري، لكن لو وضعنا ظروف البنك الاهلي أو سيراميكا في الإسماعيلي او الاتحاد ستجد الفرق الجماهيرية ستجدها تنافس وتحصل على بطولات، وبالتالي إذا دعمت الأندية الجماهيرية ماليا ربما تستطيع إحداث فارق.

ويستكمل نصر قائلا: “غياب الأندية الجماهيرية أضر بالمسابقة من حيث الحضور الجماهيري وعدم اعتياد اللاعبين على الضغط الجماهيري مثلما حدث مع نادي بيراميذر الذي يعاني في المباريات الجماهيرية”.

ويختتم نصر حديثه قائلا:” ربما يكون الحال في خصخصة الأندية الجماهيرية، ولكن قانون الرياضة لا يسمح بذلك”.



‫0 تعليق

اترك تعليقاً